المقامة النبويه ل الشيخ عائض القرني أعلل نفسي بالتلاقي وقــربه *** وأُوهمــــها لكنـــها تتوهـــمُ
المتعبد في غار حراء ، صاحب الشريعة الغراء ، والملة السمحاء ، والحنيفية البيضاء ، وصاحب الشفاعة والإسراء ، له المقام المحمود ، واللواء المعقود ، والحوض المورود ، هو المذكور في التوراة والإنجيل ، وصاحب الغرة والتحجيل ، والمؤيد بجبريل ، خاتم الأنبياء ، وصاحب صفوة الأولياء ، إمام الصالحين ، وقدوة المفلحين. ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ))
السماوات شيقاتٌ ظماءُ *** والفضا والنجوم والأضواءُ
كلها لهفة إلى العلَم الها *** دي وشوق لذاته واحتفاء
تنظم في مدحه الأشعار ، وتدبج فيه المقامات الكبار ، وتنقل في الثناء عليه السير والأخبار ، ثم يبقى كنزاً محفوظاً لا يوفّيه حقه الكلام ، وعلماً شامخاً لا تنصفه الأقلام ، إذا تحدثنا عن غيره عصرنا الذكريات ، وبحثنا عن الكلمات ، وإذا تحدثنا عنه تدفق الخاطر ، بكل حديث عاطر ، وجاش الفؤاد ، بالحب والوداد ، ونسيت النفس همومها ، وأغفلت الروح غمومها ، وسبح العقل في ملكوت الحب ، وطاف القلب بكعبة القرب ، هو الرمز لكل فضيلة ، وهو قبة الفلك خصال جميلة ، وهو ذروة سنام المجد لكل خلال جليلة .
مرحباً بالحبيب والأريب والنجيب الذي إذا تحدثت عنه تزاحمت الذكريات ، وتسابقت المشاهد والمقالات .
صلى الله على ذاك القدوة ما أحلاه ، وسلم الله ذاك الوجه ما أبهاه ، وبارك الله على ذاك الأسوة ما أكمله وأعلاه ، علم الأمة الصدق وكانت في صحراء الكذب هائمة ، وأرشدها إلى الحق وكانت في ظلمات الباطل عائمة ، وقادها إلى النور وكانت في دياجير الزور قائمة .
وشب طفل الهدى المحبوب متشحاً*** بالخير متزراً بالنور والنار
في كفه شعلة تهدي وفي دمه *** عقيدة تتحدى كل جبار
كانت الأمة قبله في سبات عميق ، وفي حضيض من الجهل سحيق ، فبعثه الله على فترة من المرسلين ، وانقطاع من النبيين ، فأقام الله به الميزان ، وأنزل عليه القرآن ، وفرق به الكفر والبهتان ، وحطمت به الأوثان والصلبان ، للأمم رموز يخطئون ويصيبون ، ويسدّدون ويغلطون ، لكن رسولنا صلى الله عليه وسلم معصوم من الزلل ، محفوظ من الخلل ، سليم من العلل ، عصم قلبه من الزيغ والهوى ، فما ضل أبداً وما غوى ، ((إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ )) .
للشعوب قادات لكنهم ليسوا بمعصومين ، ولهم سادات لكنهم ليسوا بالنبوة موسومين ، أما قائدنا وسيدنا فمعصوم من الانحراف ، محفوف بالعناية والألطاف
أثني على من؟ْ أتدري من أبجله؟ *** أما علمتت بمن أهديَته كلمي
قصارى ما يطلبه سادات الدنيا قصور مشيدة ، وعساكر ترفع الولاء مؤيدة، وخيول مسومة في ملكهم مقيدة ، وقناطير مقنطرة في خزائنهم مخلدة ، وخدم في راحتهم معبدة.
أما محمّد عليه الصلاة والسلام فغاية مطلوبه ، ونهاية مرغوبه ، أن يعبد الله فلا يشرك به معه أحد ، لأنه فرد صمد ،((لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد)) .
يسكن بيتاً من الطين ، وأتباعه يجتاحون قصور كسرى وقيصر فاتحين ، يلبس القميص المرقوع ، ويربط على بطنه حجرين من الجوع ، والمدائن تفتح بدعوته ، والخزائن تقسم لأمته
إن الـبرية يــــوم مبـعث أحـمـد *** نظر الإله لها فبدّل حالها
بل كرم الإنسان حين اختار من *** خير البرية نجمها وهلالها
لبس المرقع وهو قائد أمة*** جبت الكنوز فكسّرت أعلامها
لما رآها الله تمشي نحوه *** لا تبتغي إلا رضاه سعى لها
ماذا أقول في النبي الرسول ؟ هل أقول للبدر حييت يا قمر السماء ؟ أم أقول للشمس أهلاً يا كاشفة الظلماء ، أم أقول للسحاب سلمت يا حامل الماء ؟
يا من تضوّع بالرضوان أعظمه *** فطاب من طيب تلك القاع والأكمُ
اسلك معه حيثما سلك ، فإن سنته سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك ، نزل بزُّ رسالته في غار حراء ، وبيع في المدينة ، وفصل في بدر ، فلبسه كل مؤمن فيا سعادة من لبس ، ويا خسارة من خلعه فقد تعس وانتكس ، إذا لم يكن الماء من نهر رسالته فلا تشرب ، وإذا لم يكن الفرس مسوَّماً على علامته فلا تركب ، بلال بن رباح صار باتباعه سيداً بلا نسب ، وماجداً بلا حسب ، وغنيّاً بلا فضة ولا ذهب ، أبو لهب عمه لما عصاه خسر وتبّْ ((سَيَصْلَىٰ نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ ))
الفرسُ والرُّوم واليونانُ إن ذُكروا *** فعند ذكرك أسمالٌ على قزمِ
هم نمقوا لوحة بالرق هائمةً *** وأنت لوحك محفوظ من التهمِ
وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ، وإنك لعلى خلق عظيم ، وإنك لعلى نهج قويم ، ما ضلّْ ، وما زلّْ ، وما ذلّْ ، وما غلّْ ، وما ملّْ ، وما كلّْ ، فما ضلّ لأن الله هاديه، وجبريل يكلمه ويناديه ، وما زلّ لأن العصمة ترعاه ، والله أيده وهداه ، وما ذلّ لأن النصر حليفه ، والفوز رديفه ، وما غلّ لأنه صاحب أمانة ، وصيانة ، وديانة، وما ملّ لأنه أعطي الصبر ، وشرح له الصدر ، وما كلّ لأن له عزيمة ، وهمة كريمة ، ونفس طاهرة مستقيمة .
كأنك في الكتاب وجدت لاءً *** محرمة عليك فلا تحلُّ
إذا حضر الشتاء فأنت شمس *** وإن حل المصيف فأنت ظلُّ
صلى الله عليه وسلم ما كان أشرح صدره ، وأرفع ذكره ، وأعظم قدره ، وأنفذ أمره ، وأعلى شرفه ، وأربح صفقه ، من آمن به وعرفه ، مع سعة الفناء ، وعظم الآناء ، وكرم الآباء ، فهو محمد الممجد ، كريم المحتد ، سخي اليد ، كأن الألسنة والقلوب ريضت على حبه ، وأنست بقربه ، فما تنعقد إلا على وده ، ولا تنطق إلا بحمده ، ولا تسبح إلا في بحر مجده .
نور العرارة نوره ونسيمه *** نشر الخزامى في اخضرارالآسِ
وعليه تاج محبة من ربه *** ما صيغ من ذهب ولا من ماسي
إن للفطر السليمة ، والقلوب المستقيمة ، حب لمنهاجه ، ورغبة عارمة لسلوك فجاجه ، فهو القدوة الإمام ، الذي يهدى به من اتبع رضوانه سبل السلام .
صلى الله عليه وسلم علم اللسان الذكر ، والقلب الشكر ، والجسد الصبر ، والنفس الطهر ، وعلم القادة الإنصاف ، والرعية العفاف ، وحبب للناس عيش الكفاف ، صبر على الفقر ، لأنه عاش فقيرا ، وصبر على جموع الغنى لأنه ملك ملكاً كبيرا ، بعث بالرسالة ، وحكم بالعدالة ، وعلم من الجهالة ، وهدى من الضلالة ، ارتقى في درجات الكمال حتى بلغ الوسيلة ، وصعد في سلّم الفضل حتى حاز كل فضيلة .
أتاك رسول المكرمـــات مسلمـاً *** يريد رسول الله أعظم متقي
فأقبل يسعى في البساط فما درى*** إلى البحر يسعى أم إلى الشمس يرتقي
هذا هو النور المبارك يا من أبصر ، هذا هو الحجة القائمة يامن أدبر ، هذا الذي أنذر وأعذر ، وبشر وحذر ، وسهل ويسر ، كانت الشهادة صعبة فسهّلها من أتباعه مصعب ، فصار كل بطل بعده إلى حياضه يرغب ، ومن مورده يشرب ، وكان الكذب قبله في كل طريق ، فأباده بالصديق ، من طلابه أبو بكر الصديق ، وكان الظلم قبل أن يبعث متراكماً كالسحاب ، فزحزحه بالعدل من تلاميذه عمر بن الخطاب ، وهو الذي ربى عثمان ذو النورين ، وصاحب البيعتين ، واليمين والمتصدق بكل ماله مرتين ، وهو إمام علي حيدره ، فكم من كافر عفرّه ، وكم من محارب نحره ، وكم من لواء للباطل كسره ، كأن المشركين أمامه حمر مستنفرة ، فرت من قسوره .
إذا كان هذا الجيل أتباع نهجه *** وقد حكموا السادات في البدو والحَضَرْ
فقل كيف كان المصطفى وهورمزهم *** مع نوره لا تذكر الشمس والقَمرْ
كانت الدنيا في بلابل الفتنة نائمة ، في خسارة لا تعرف الربح ، وفي اللهو هائمة ، فأذّن بلال بن رباح ، بحي على الفلاح ، فاهتزت القلوب ، بتوحيد علاّم الغيوب ، فطارت المهج تطلب الشهادة ، وسبحت الأرواح في محراب العبادة ، وشهدت المعمورة لهم بالسيادة .
كل المشارب غير النيل آسنة *** وكل أرض سوى الزهراء قيعان
لا تنحر النفس إلا عند خيمته *** فالموت فوق بلاط الحب رضوان
أرسله الله على الظلماء كشمس النهار ، وعلى الظمأ كالغيث المدرار ، فهز بسيوفه رؤوس المشركين هزّاً ، لأن في الرؤوس مسامير اللات والعزى ، عظمت بدعوته المنن ، فإرساله إلينا أعظم منّة ، وأحيا الله برسالته السنن ، فأعظم طريق للنجاة إتباع تلك السنة . تعلم اليهود العلم فعطلوه عن العمل ، ووقعوا في الزيغ والزلل ، وعمل النصارى بضلال ، فعملهم عليهم وبال ، وبعث عليه الصلاة والسلام بالعلم المفيد ، والعلم الصالح الرشيد .
قراءة ماتعة لهذه المقامة ويتبعها رائعته في مدح الرسول.
قصيدة الشيخ عائض في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم
بسم الله الحمن الرحيم
أخوك عيسـى دعا ميْتـاً فقام له *** وأنت أحييت أجيالاً من الرممِ
أنـصـت لِمِيميّـةِ مــن أَمَـــمِ * * * مدادها مـن معانـي نـون و القلـمِ
سالت قريحـة صـب فـي محبتكـم * * * فيضـاً تدفـق مثـل الهاطـلالعمـمِ
كالسيل كالليل كالفجر اللحـوج غـدا * * * يطوي الروابي ولايلوي علي الأكـمِ
أجش كالرعد في ليـل السُّعـود و لا * * * يشابه الرعد في بطش و فـي غشـمِ
كدمع عيني إذا مـا عشـت ذكركـم * * * أو خفقِ قلبٍ بنار الشـوق مضطـرمٍ
يـزري بنابغـة النعمـانروانقهـا * * * و مَنْ زهير ؟ و ماذا قال فـي هـرمِ
دع سيف ذي يزنٍصفحـاً ومادحـه * * * و تبّعـا وبنـي شــداد فــي إرمِ
ولا تعرّج علـي كسـرى و دولتـه * * * وكـل أصيـد أو ذي هالـة و كمـي
و انسخْ مدائح أرباب المديـح كمـا * * * كانـت شريعتـه نسـخـالدينـهـمِ
رصّعْ بهـا هامـة التأريـخ رائعـة * * * كالتاجفي مفـرق بالمجـد مرتسـمِ
فالهجر و الوصل و الدنيا وما حملـتْ * * * و حبُ مجنـونِ ليلـى ضلـة لعمـي
دع المغاني و أطـلالالحبيـب و لا * * * تلمح بعينـك برقـاً لاح فـي أضـمِ
و انسَالخمائـلَ و الأفنـان مائلـة * * * وخيمـةً و شويهـان بـذي سـلـمِ
هنـا ضيـاء هنـا ري هنـا أمــلٌ * * * هنـا رواء هنـا الرضـوانفاستلـمِ
لو زُينتْ لامرء القيس انزوى خجـلاً * * * ولو رآهـا لبيـدُالشعـرِ لـم يقـمِ
ميمية لـو فتـي بوصيـر أبصرهـا * * * لعـوذوه بـرب الـحـل و الـحـرمِ
سل شعرَ شوقي أيروي مثل قافيتـي * * * أو أحمد بن حسين فـي بنـي حكـمِ
ما زار سوقَ عكـاظمثـلُ طلعتِهـا * * * هامتْ قلوبٌ بها مـن روعـة النغـمِ
أُثني عليمنْ ؟ أتدري من أبجلـه ؟ * * * أمـا علمـت بمـن أهديتـه كلمـي
في أشجع الناسِ قلبـاً غيـر منتقـم * * * و أصدق الخلق طـراً غيـرمتهـمِ
أبهى من البدر في ليل التمـام و قـل * * * أسخى من البحر بلأرسى من العلـمِ
أصفى من الشمسِ في نطق و موعظةٍ * * * أمضى من السيف في حكم و في حكمِ
أغرٌ تشـرق مـن عينيـه ملحمـةٌ * * * من الضياء لتجلـو الظلـم و الظلـمِ
في همة عصفت كالدهـر و اتقـدتْ * * * كممزقت من أبي جهل و من صنـمِ
أتي اليتيـم أبـو الأيتـام فـيقَـدَرٍ * * * أنهـى لأمتـه مـا كـان مـن يُتـمِ
محرر العقـل بانـيالمجـد باعثنـا * * * من رقدة في دثار الشـرك و اللمـمِ
بنـور هديـك كحلـنـا محاجـرنـا * * * لمـا كتبنـا حروفنـا صغتهـابـدمِ
من نحـن قبلـك إلا نقطـةٌ غرقـتْ * * * في اليم بل دمعة خرساءفـي القـدمِ
أكـاد أقتلـع الآهـات مـن حُرقـي * * * إذاذكرتـكَ أو أرتـاعُ مـن ندمـي
لما مدحتـك خلـتُ النجـمَ يحملنـي * * * و خاطري بالسنـا كالجيـش محتـدمِ
شجعـتُ قلبـي أن يشـدوبقافـيـة * * * فيك القريض كوجه الصبـح مبتسـمِ
صه شكسبير منالتهريـج أسعدنـا * * * عن كل إلياذة ما جـاء فـي الحكـمِ
الفرسُ و الرومُ و اليونان إن ذكـروا * * * فعنـد ذكـراه أسمـال علـىقـزمِ
هـم نمّقـوا لوحـة للـرق هائمـةً * * * و أنت لوحـك محفـوظ مـنالتهـمِ
أهديتنا منبـر الدنيـا و غـار حـرا * * * و ليلـةالقَـدر و الإسـراء للقمـمِ
و الحوضَ و الكوثرَ الرقراق جئت به * * * أنت المزمل في ثـوب الهـدى فقـمِ
الكـونُ يسـأل والأفـلاكُ ذاهـلـة * * * و الجنُ و الإنسُ بين الـلاء والنعـمِ
والدهر محتلـف و الجـو مبتهـجٌ * * * و البدر ينشـق و الأيـام فـي حلـمِ
سربُ الشياطينِ لما جئتنـا احترقـتْ * * * و نار فارستخبو منـك فـي نـدمِ
و صفد الظُلْم و الأوثان قـد سقطـت * * * ومـاء سـاوة لمـا جئـت كالحمـمِ
قحطان عدنان حازوا منـكعزتهـم * * * بـك التشـرّفُ للتأريـخ لا بـهـمِ
عقود نصرك في بـدر وفـي أحـد * * * و عدلاً فيـك لا فـي هيئـة الأمـمِ
شـادوابعلمـك حمـراء و قرطبـة * * * لنهرك العذب هب الجيل و هو ظمـي
و منعمامتك البيضـاء قـد لبسـت * * * دمشـق تـاج سناهـا غيـر منثلـمِ
رداء بغـداد مـن برديـك تنسجـه * * * أيدي رشيـد و مأمـون ومعتصـمِ
و سدرة المنتهـى أولتـك بهجتهـا * * * على بسـاط مـنالتبجيـل محتـرمِ
دارستَ جبريل آيـات الكتـاب فلـم * * * ينس المعلـم أو يسهـو و لـم يهـمِ
اقـرأ و دفتـرك الأيـام خـط بــه * * * وثيقة العهد يا من بـر فـي القسـمِ
قربـت للعالـمالعـلـوي أنفسـنـا * * * مسكتنا متـن حبـل غيـر منصـرمِ
نُصرتَبالرعب شهراً قبـل موقعـة * * * كأن خصمك قبل الحرب فـي صمـمِ
إذا رأوا طفـلاً فـي الجـو أذهلهـم * * * ظنوك بين بنود الجيـش والحشـمِ
بك استفقنـا علـي صبـح يؤرقـه * * * بلال بالنغمـة الحـرّاعلـي الأطـمِ
إن كان أحببت بعـد الله مثلـك فـي * * * بدوو حضر و من عرب و من عجمِ
فلا اشتفى ناظري من منظـر حسـن * * * ولاتفـوه بالقـول السديـد فـمـي
*********
اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه
[/center]