يَا أصْدَق النَاس إحسَاساً تُترْجمُهُ .. [ يحْيَى تَوفِيق حَسَنْ ]

شاعر مكيّ ولد عام 1929 ميلادياً ..

حصل على دبلوم في اللغة الإنكليزية ، وعمل في عدد من شركات القطاع الخاص .

من الرعيل الأول من الشعراء الذين كانوا يقولون الشعر على الفطرة وبدون دراسة لعلم العروض وأوزانه

وهؤلاء هم الشعراء الموهوبون .

كانت له أياد بيضاء على الأدب والشعر فقد كان يعقد باستمرار وفي مواسم معينة , أمسيات شعرية في

داره العامرة بمكة المكرمة .

ولقد كان حريصاً على تقديم الأقلام المبتدئة والشعراء الشباب وتشجيعهم .. ومن أفضاله التي تحتسب

له أنه خدم مسقط رأسه مكة المكرمة , فقد ألقى قصيدة أمام الملك الراحل خالد بن عبدالعزيز

ولفت نظره الى أنه لا يوجد في أم القرى جامعة وقبل نهاية الحفل أُعلن أن المليك يرحمه الله

أمر بإنشاء جامعة أم القرى.. وقد كان.

✿✿✿

صَدرت له هذه الدواوين :

1. أودية الضياع - 1938

2. سمراء - 1985

3. وافترقنا يا زمن - 1987

4. مابعد الرحيل - 1990

5. حبيبتي أنتِ - 1992

والمجموعة الشعرية الكاملة له بعنوان ( شعري .. وحواء ! ) صدرت عام 1994 .

✿✿✿

كَانت له صفحة ثابتة في العديد من المجلات المحليّة التي تُنشر اسبوعيا ً ومنها على سبيل المثال لا الحصر

مَجلة " الجديدة " الصادرة عن دار عكاظ التي توقف إصدارها .

و زواية ثابتة تُسمى " بوح " يَنشر فيها رباعياته في جريدة المدينة .

وهذا استعراض اخترته لكم .. لبعض قصائده المفعمة بالحس والعذوبة آمل أن يُوافق

اختياري ذائقتِكم الشعريّة :

جزء من قصيدة " الرجوع " كُتبت على الغلاف الخلفي لمجموعته الشعرية :

شلاَّلُ ضَوْءٍ .. غيْمةٌ من نَرْجسٍ

هَطَلتْ على عَيْنَيَّ .. من عَينَيْكِ

فَوقفْتُ مَشْدوهاً .. وقَلبي خافِقٌ

ويَدايَ ترْتعشانِ .. بَينْ يَديْكِ

وتحيّرتْ عَيْني .. فكُلّكِ فِتنةٌ

من فَرعِكِ الداجِي .. إلَى قدَميكِ

إنّي كَتبتُكِ أَلفَ .. ألفَ قصِيدةٍ

فالشِعرُ .. وحيٌ مِنكِ .. عَاد إليك ِ

ليتَ الوجودَ بدفئِـهِ يَخلو لنَا

وأنامُ .. ملءَ الجفْنِ .. في جِفْنيْك ِ

✿✿✿

من الربَاعيَات الجميلة التي أحفظها لهُ :

ومَشيتُ في ذَاتِ الطَريق لعلّني

لو سِرتُ في نفسِ الطَريق أراكِ

وجَعلتُ أستوحِي الوُجوه فَربّمَا

بين الوُجوه تلوُح لِي عيناكِ

وظهرتِ في ذَاتِ المكانِ كأنمَا

قد جئتِ عامِدةً لكي ألقَاكِ

ودنوتِ منّي فانتشت خطواتُنَا

وغَفتْ بشوق ٍ في يديَّ .. يَداك ِ

✿✿✿

ودّنى الليل ومَا في خَافقي

منْ سَنى دنياكِ نورٌ ارتجيه

قَد غدَى العُمر كئيباً فارغاً

ليس من عمري زمان لستِ فيه

منيتي أنت ِ .. ففيمَ الدهر يأبىَ

وينيل النَفس مالا تبتغيهِ

إن قلباً طالمَا دللتهِ

من تُرى أغراكِ حتَى تحرِقيه ؟

قصيدة : عـــذاب

أغالب نفسي في هواك فأُغلبُ

وأُبعِدُ فكري عنكَ يأساً فَيقربُ

أراكَ فأنآى كَيْ أضَـلّل عُذّلي

ولو خيّروني كنتُ أدنُو وأقربُ

وأُغضِي بطرفي حين تخطرُ عابراً

حياءاً وقَلبي بين جنبيَّ يَصخبُ

أقاومُ قلبي في هَواك لعَلّهُ

يَفيق ويَسلو أو يمِلُّ ويَتعَبُ

فَيأبَى فؤادي أنْ يَصُدَّ وينثني

إليكَ على رغمي يَحنُّ ويَطربُ

تنامُ وتصحو في الحنانِ ملفّعاً

وأسهرُ ليلي في الجَوى أتعذّبُ

يعاتِبُني فيكَ الأقاربُ كلّهُم

فأُصغي بلا حسٍ لمن فيكَ يعتُبُ

وكُنتُ على نَار الهَوى مُتغلّباً

فأمسيتُ في نَار الهَوى أتقلّبُ

فأنتَ مرادي في الحيَاة ومُنيتي

وأنتَ الذي بالقلبِ يلهُو ويلعبُ

وحَسبُكَ أنّي كلمَا شفّيَ الهَوى

رأيتُ فؤادي يستزيدُ ويَطلبُ

فليتَ الذي قد كَانَ يرجعُ بيننا

وليتَ الهَوى يَصفُو وقلبُكَ يَحدِبُ

✿✿✿

عُد بي إلىَ أهلي

عُد بي إلى أهلي إلىَ صحبي إلى بلدي الحبيب

عُد بي فقد طالت ليالي الشوق بالنَائي الغريب

عُد بي إلى مكة إلى جدّة إلى الوادي الخصيب

خُذني إلى وطني ألوذُ بظلّهِ الحاني الرحيب

✿✿✿

إبتهالات

ياذا الجَلال وياذا العرش يا أملي

نفسي تئنُ بأحزانٍ تعانيها

أوليتني مِنناً ما عدتُ أُحصيها

إنّ الهدايَا على مِقدارِ مُهديها

أعصي وتغفرُ في حلمٍ وترحَمُني

والروحُ تبكي وتُشقيها معاصِيها

إن تغفر اليومَ أوزاري وتستُرُهَا

فذاك حَسبِي من الدَنيا ومافيها

✿✿✿

ياربّ .. يا جَابر الملهوف والعَاني

كيف الخلاص لقلب ٍ مثقل واني

أعصي .. فترأف في برٍ وتَرحمُني

تعفُو .. فأسرِفُ في وزري وعِصياني

أسمو إليكَ باحساسي فتثقلُني

أوزارُ عُمري وتثنيني لأحزاني

ياربّ أنتَ الذي لا شيء يَعجِزُهُ

فامنن عَليّ بغفرانٍ ورضوان ِ

قصيدة : ما بعد الرحيل .. أحبها كثيراً لما فيها من حِسٍ صادق

ومشاعر عميقة جداً :

يا جُرْحِيَ المَخْبُوءَ في أَعْمَاقِي
يا حُزْنِي المصْلُوبَ في أَحْداقي

أَنا كُلَّما حاوَلْتُ نَبْذَكِ مِنْ دَمِي
رَكَضَتْ إِليكِ يَدي تَشدُّ وِثَاقِي

وَيَمُورُ نَبْضُكِ في دِمائِي صَاخِباً
حتَّى أُحِسَّ هَواكِ في أَعْراقيِ

وَيَلُوحُ طَيْفُكِ عابِراً في خَاطِرِي
يَخْتَالُ في رُوحي وفي آماقي

* * *

يا حُبِّي المَوْعُودَ بِالإِخْفَاقِ
يا حُزْني الموءُود في أَعماقي

قلبي - وإِعْصَارُ الفراقِ يَلفُّني
يَشْكُو إِلَيْكَ مَواجِع الأَشْواقِ

ما كانَ في حُسْبَانِهِ أنَّ الَّذي
بَيْنِي وَبَيْنَكَ يَنْتَهي بِفِراقِ

لَعِبت رِياحُ الشَّكِّ في أَرْواحِنا
مِنْ بَعْدِ طُولِ تآلُفٍ ووِفاقِ

فَتَقَوَّضَتْ أَحْلامُنا وأَحَاطَنا
لَيْلٌ ينُوءُ بِحَيْرَةٍ وشِقاقِ

وتَمَزَّقَ الحُبُّ الكَبِيرُ وَلَمْ يَعُدْ
لِلصَّبْر في قَلْبي وقَلْبِكِ.. باقِ

وتَعَثَّرَتْ خُطوَاتُنا.. تَمْضِي بِنَا
كلُّ على دَرْبٍ.. بِغَيْرِ تلاقِ

قَدْ كُنْتَ لِي قَلْباً أَلُوذُ بِدِفْئِهِ
في غُرْبَتي مِنْ شِدَّةِ الأَشْواقِ

وَرَحَلْتِ في صَمْتٍ.. كأَنَّا لم نَكُنْ
نَحْيَا بِقَلْبٍ واحدِ خَفَّاقِ

كُنَّا ونارُ العِشْقِ تُشْعِلُ لَيْلَنا
أَلَقاً يُحَرِّكُ غِيرةَ العُشَّاقِ

فإذا طَواني الشَّوْقُ يَوما كُنْتِ لِي
مُشْتَاقَةً تَحْنُو على مُشْتَاقِ

وإِذا نَأَيْتِ تَظَلُّ رُوحي دَائِماً
وَلْهَى عَلَيْكِ تَهِيمُ في الآفاقِ

واليَوْمَ أَصْبَحَ حُبُّنا أُقْصُوصَةً
تُحْكَى فَيَصْمُتُ - مُشْفِقِين - رِفاقي

* * *

يا بَلْسَمَ الأَوْجاعِ فِي لَيْل الأَسَى
يا هَمْسَة الأَشْعَارِ في أَوْراقِي

يا رِحْلَةَ الأَحْزانِ بَيْنَ مَدَائِني
قَلْبي يَتُوقُ لِلَمْسَة وعِنَاقِ

أَنا إِنْ قَبِلتُ الحُبَّ مِنْكِ فِشِيمَتِي
تأبى عليَّ تَقَبُّلَ الإِشْفَاقِ

مقاطع متفرّقة لقصيدة " سمراء " الشهيرة .. التي لحنها وتغنّى بها الفنان جميل محمود :

سمراءُ رقِّي للعليل البَاكي
وترفّقِي بفتىً مناهُ رضاكِ

ما نَام منذُ رآكِ ليلةَ عيدهِ
وسقتهُ من نبعِ الهَوى عيناكِ

أضناهُ وجدٌ دائمٌ وصبابةٌ
وتسهدٌ وترسمٌ لخطاكِ

أتخادِعِين وتخلفينَ وعودهُ
وتعذبين مدلَّهاً بهواكِ

وهو الذِي بَات الليَالي ساهراً
يَرعى النُجومَ لعلّهُ يلقاكِ

* * *

بين المروجِ على الغديرِ تعلّقتْ
عيني بعينكِ والفؤادُ طواكِ

ثم التقينَا في الخميلَةِ خِلسةً
وشربتُ حيناً من سُلافِ لُماكِ

وتساءلتْ عيناكِ بعد تغيُّبي
أنسيتَ عهدي أيّهَا المُتباكِ

لا والذي فطَرَ القلوبَ على الهوَى
أنا ما نَسيتُ ولا سلوتُ هواكِ

لكنَّ قلبي والفؤادَ ومهجتي
أسَرى لديكِ فأكرمي أسراكِ

سأظلُّ في محرابِ حبِّكِ ناسكاً
متبتلاً مستسلماً لقضاكِ

✿✿✿

أختم الموضوع برباعيّة أهديها لكم جميعاً :

وعالجِ النفس بالصبرِ الجميل على

زيفِ الحيَاة وعزِّ القلبَ بالتقوى

فالنفسُ تهوَى من الدنيَا زخارفَهَا

وقد تبيدُ وما تلقَى الذي تهوَى

وعِشْ كريماً ولا تشكوُ إلى أحدٍ

فما يفيدُ الأسَى أو تنفعُ الشكوَى

وقوِّ نفسك بالإيمَان في جلدٍ

فمنطقُ اليوم أنَّ العيش للأقوَى